بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
بعثه بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا
فبلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده صلى الله
عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا أما
بعد: فإن حديثي إليكم هذه الليلة في موضوع يهم جميع المسلمين ألا وهو
موضوع الشباب ومشكلاته وما ينبغي أن يتخذ لتوجيهه ولا أقدر على توفية
الموضوع حقه أو على الإلمام به وإنما هي محاولة أبدأ الحديث بها حسب
استطاعتي وهي كالإشارة أو كالمنبه والله ولي التوفيق
دور الشباب في الحياة
لا شك أيها الأخوة أن دور الشباب في الحياة دور مهم. فهم إذا صلحوا
ينهضون بأمتهم ويقومون بنشر دينهم والدعوة إليه. لأن الله أعطاهم من
القوة البدنية والقوة الفكرية ما يفوقون به على كبار السن وإن كان كبار
السن يفضلونهم بالسبق والتجارب والخبرة. إلا أن ضعف أجسامهم في الغالب
وضعف قواهم لا يمكنهم مما يقوم به الشباب الأقوياء ومن هنا كان دور شباب
الصحابة رضي الله تعالى عنهم الدور العظيم في نشر هذا الدين تفقهًا في دين
الله وجهادًا في سبيله. من أمثال عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد
الله بن عمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وغيرهم من شباب الصحابة
الذين نهلوا من العلم النافع وحفظوا لهذه الأمة ميراث نبيها صلى الله عليه
وسلم وبلغوه. وإلى جانبهم القادة كخالد بن الوليد والمثنى بن حارثة
والشيباني وغيرهم. كلهم أمة واحدة قاموا بأعباء واجبهم فأدوا دورًا
كبيرًا تجاه دينهم وأمتهم ومجتمعهم لا تزال آثاره باقية إلى اليوم وستبقى
بإذن الله ما بقي الإسلام؛ وشباب هذا الوقت هم من ورثة أولئك إذا ما أحسنوا
لأنفسهم وعرفوا مكانتهم وتحملوا أمانتهم. فهم ورثة أولئكم الشباب
الأقدمين وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله
في ظله يوم لا ظل إلا ظله. منهم شاب نشأ في عبادة الله
توجيهات الرسول للشباب
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يولي جانبًا من توجيهاته إلى الشباب فيقول
صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله
يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن
بالله) ويقول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل وهو رديفه على حمار يا
معاذ أتدري ما حق الله على العباد على الله إلى آخر الحديث ويقول صلى الله
عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة ربيبه وهو طفل صغير لما أراد أن يأكل مع النبي
صلى الله عليه وسلم وجالت يده في الصفحة أمسك النبي صلى الله عليه وسلم
بيده وقال: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يلك) فهذه توجيهات من
النبي صلى الله عليه وسلم يوجهها لطفل ليغرس في قلبه هذه الآداب العظيمة
وهذا مما يدل على أهمية توجيه الشباب نحو الخير ومسئولية الكبار نحوهم
العناية بالشباب
وديننا الإسلامي اهتم بتنشئة الشباب اهتمامًا بالغًا
لأنهم هم الرجال في المستقبل وهم الذين سيخلفون آباءهم ويرثونهم ويقومون
بدورهم في الحياة. فمن توجيهات الإسلام إلى العناية بالشباب:
أولاً: اختيار الزوجة الصالحة التي هي منبت الأولاد وهي موضع الحرث الذي
ينبت فيه الأولاد. فالنبي صلى الله عليه وسلم حثنا على اختيار الزوجة
الصالحة وقال صلى الله عليه وسلم: (اظفر بذات الدين تربت يداك) لأن
الزوجة الصالحة إذا رزق الله الزوج منها أولادًا فإنها توجههم وتقوم بدورها
نحوهم من طفولتهم. هذا من توجيهات الإسلام نحو الشباب.
ثانيًا: ومن توجيهات الإسلام نحو المولود أول ما يولد أن يختار والده
الاسم الحسن. لأن الاسم الحسن له معنى وله مدلول. فالنبي صلى الله عليه
وسلم حث على أن يختار الأب لولده اسمًا حسنًا وأن يبتعد عن الأسماء
المكروهة أو الأسماء التي تدل أو تشتمل على معان غير لائقة.
ثالثًا: ومن توجيهات الإسلام نحو الشباب أن وجه آباءهم إلى أن يعقوا عنهم
أي يذبحوا عنهم العقيقة لأنها سنة مؤكدة ولها تأثير طيب على الطفل وهي
ليست لمجرد تحصيل اللحم والفرح. وهذا مما يدل على عناية الإسلام بالشباب
أول نشأتهم.
رابعًا: ومن عناية الإسلام بالشباب الاهتمام بتربيتهم إذا بلغوا سن
التمييز وصار عندهم الإدراك فحينئذ يُبدأ بتوجيههم إلى الدين يقول صلى الله
عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها
وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع) وهذا مما يدل على أن
الإسلام يهتم بالشباب ويتطور معهم ي التوجيه من سن إلى أخرى حسب استطاعتهم
ومداركهم. كذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مولود يولد على
الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فالمولود يولد على الفطرة
وهذه الفطرة إذا ما حافظ عليها أبواه ووجهاها إلى الخير اتجهت نحو الخير
لأنها تربة صالحة. أما إذا انحرف الأبوان في تربية الطفل فإن فطرته تفسد
وتنحرف بحسب تربية الوالد: فإن كان الوالد يهوديًا أو نصرانيًا أو
مجوسيًا نشأ الطفل على هذه الديانة الخبيثة وفسدت فطرته أما إذا كان أبواه
مسلمًا صالحًا فإنه يحافظ على هذه الفطرة التي أودعها الله في هذا الطفل
وينميها ويزكيها ويتعاهدها.
خامسًا: ومما يدل على الاهتمام بأمر الشباب من سن مبكرة أن الله تعالى
أمر الولد حينما يدرك الكبرُ والداه أو أحدهما أن يحسن إليهما أو إلى
الموجود منهما وأن يتذكر تربيتهما له يوم أن كان صغيرًا. {إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل
لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا،
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ
ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [سورة الإسراء:
23-24]. وموضع الشاهد من الآيتين هو: قوله تعالى: {كَمَا
رَبَّيَانِي صَغِيرًا} فتربية الوالدين لولدهما نعمة وإحسان إليه يجب أن
يكافئ عليه والديه. وليس المراد بالتربية التربية الجسمية فقط التي هي
عبارة عن توفير الطعام والشراب هذه تربية بهيمية إن اقتصر عليها. لكن
الأهم من ذلك التربية المعنوية التي هي المحافظة على فطرته السليمة
وتوجيهها إلى الخير وغرس الخير في نفسه وتنشئته على الخير. هذه هي
التربية المفيدة التي تبقى آثارها على المولود وتنمو معه وتصاحبه أما
التربية الجسمية فقط فهذه أقرب إلى إفساده منها إلى إصلاحه. لأن الطفل
إذا أغدق عليه الطعام والشراب والشهوات وأهمل جانب التربية الصحيحة فإن ذلك
مما يدعون إلى أن ينشأ نشأة بهيمية أما إذا ربي التربيتين التربية الجسمية
لأن التربية الجسمية لابد منها في حدود المعقول وفي حدود المشروع من غير
إسراف ولا تبذير وإلى جانبها التربية المعنوية فإن ذلك هو الخير الكثير
الذي يتذكره الولد عندما يدرك إحسان والديه إليه فيقول كما أمر الله.
{رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
مشاكل الشباب وأسبابها
أيها الأخوة: ومن نقاط الموضوع الذي نريد التحدث عنه
بعض مشاكل الشباب وما ينبغي أن تعالج به في ضوء الإسلام. ولا شك أن
الإسلام يحل جميع المشاكل فالإسلام إذا طبق تطبيقًا صحيحًا فإنه لا تبقى
معه مشكلة في الحياة. ومن ذلك مشاكل الشباب في هذا العصر وهي مشاكل كثيرة
منها:-
أولاً: أن الشباب الآن يتعرضون لتيارات خطيرة وهذه من أعظم المشاكل إذا
تركوا معها فإنها تفسد أخلاقهم وسلوكهم وتفسد عقيدتهم وهي تيارات كثيرة
ومتنوعة ومتعددة المصادر. تيارات تحملها وسائل الإعلام المختلفة من إذاعة
وتلفاز وصحف ومجلات وكتب هدامة تلفظها المطابع وهي تحمل سمًا زعافًا
وتتلقفها أيدي الشباب أو كثير من الشباب الذي لا يميز بين الضار والنافع
هذه التيارات المتنوعة من مقروءة ومرئية ومسموعة إذا تركت تعصف بالشباب.
فإن نتائجها تكون وخيمة. لأن الشباب الآن كثير منهم تغيرت أخلاقه وصاروا
يقلدون الغرب أو الشرق في لباسهم. في شعورهم في حركاتهم. طبقًا لما
يسمونه ويقرؤون مما تحمله إليهم هذه الوسائل التي أغلب أحوالها أن فيها
الدس الكثير لإفسادهم. والأهم من ذلك تغيير عقيدتهم فقد تحول بعض الشباب
المسلم إلى ملحد. إلى شيوعي، على بعثي إلى غير ذلك من الأفكار الهدامة
لأنه مادام أنه مقبل على تلقف هذه الدعايات وهي تدفع إليه بيسر وسهولة وهو
فارغ الذهن من غيرها ليس عنده من الحصانة ولا من العلم ما يفهم به هذه
الشبهات المدسوسة أو هذه الدعايات المضللة فإنه يتقبل ما يصل إليه كما قال
الشاعر: عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى ** فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا
فالشاب الذي يتلقف هذه الدعاية وهو خالي الذهن مما يضادها من العلم النافع
لا شك أنها ترسخ في ذهنه ويصعب بعد ذلك اجتذابها منه. هذه من مشاكل
الشباب المعاصرة. ثانيًا: من أسباب هذه المشكلة التي هي مشكلة الانحراف
في التصور والانحراف في الخلق والانحراف في التفكير من أسباب ذلك بعد
وسائل الإعلام ولا أقول كل وسائل الإعلام، لأن وسائل الإعلام فيها الصالح
ولكنه قليل والأكثر ضار. بعد ذلك يأتي دون السفر للخارج يسافر الشاب إلى
الخارج إلى البلاد الكافرة إلى البلاد المنحرفة التي ضاعت فيها الأخلاق
وفسدت فيها العقائد ليشاهد هذه البلاد بما فيها. يشاهد الإباحية والأفكار
الفاسدة وليس عنده مما يدافعها أو يبين زيفها ليس عنده الرصيد الكافي أو
ليس عنده رصيد أصلاً، وهو شاب في ريعان الشباب فإذا سافر إلى تلك البلاد
وخالط أهلها سرعان ما يتغير لدينه ومجتمعه المسلم ويعود صفر اليدين. هذا
من أسباب الانحراف الخلقي والعقدي في الشباب وهو السفر إلى الخارج، الخارج
الذي يموج بالفساد. ثالثًا: ومن أسباب ذلك فشو الجهل. جهل كثير من
الشباب بدينهم لأنهم لم يتلقوا من دينهم وعلومه الحصانة الكافية التي
يعرفون بها الخبيث من الطيب والضار من النافع ويميزون بها بين الحلال
والحرام. لهذه الأسباب ولغيرها أثرت هذه التيارات الهدامة بالشباب
تأثيرًا بليغًا مما ظهرت آثاره عليهم وتعاظمت شروره وتفاهم خطره
العلاج الناجح لمشاكل الشباب
وعلاج هذه المشكلة إذا ما نصحنا لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم علاج هذه المشكلة ميسور يتلخص بأمور قريبة ميسورة.
الأمر الأول:
إصلاح المناهج التعليمية التي يتلقونها في المدارس بحيث تملأ هذه المناهج
بالعلوم الدينية النافعة بعلوم العقائد الصحيحة ومعرفة الحلال من الحرام في
المعاملات وفي المأكل والمشارب والعادات والأخلاق حتى تمتلئ قلوبهم من
العلم النافع الذي إذا تسلحوا به استطاعوا أن يميزوا بين الطيب والخبيث وأن
يقاوموا الشبه التي تواجههم إصلاح المناهج أولاً واختيار المدرسين
الأكفياء الصالحين الذين يوصلون حصيلة هذه المناهج وهذه العلوم النافعة
يوصلونها إلى قلوب الشباب ويرغبونهم فيها.
الأمر الثاني:
التقاء الشباب بالعلماء من خلال ندوات في المساجد وفي المدارس وفي غيرها.
ندوات مفتوحة للإجابة على مشاكلهم ولتوضيح الطريق أمامهم فإن على العلماء
مسئولية عظيمة نحو شباب المسلمين. ولكن وأقولها بكل مرارة الآن الفجوة
كبيرة بين الشباب وبين العلماء. فالعلماء غالبهم في ناحية والشباب في
ناحية أخرى. وهذا مما سبب ضياع الشباب. وإلى اليوم كان الشباب يلتقون
بعلمائهم فقد كانوا على بينة من أمرهم ولكن حينما انفصل الشباب عن علمائهم
حصلت هذه النكسات العظيمة.
الأمر الثالث:
من الأمور التي يعالج بها هذا الانحراف وتقاوم بها هذه التيارات الموجهة
نحو الشباب منع سفرهم إلى الخارج إلا لضرورة ملحة مع وضع الضوابط والضمانات
التي تبعدهم من مخاطر السفر إلى بلاد الكفر أما إذا تركوا ليسافروا على
علاتهم فإن الأمر خطير جدًا.
هذه أمور أراها إذا ما تحققت فإنها ستقاوم هذه التيارات التي تجتذب
الشباب. أولاً: إصلاح المناهج واختيار المدرسين الصالحين. ثانيًا:
التقاء الشباب بعلمائهم من خلال الندوات والمحاضرات وغير ذلك. ثالثًا:
منع هذا الزحف وهو سفرهم إلى الخارج إلا لضرورة ملحة مع وضع الضوابط
والضمانات الكفيلة بإبعادهم عن مخاطر هذه الأسفار الخطيرة. رابعًا:
إصلاح وسائل الإعلام بحيث لا تبث إلا ما هو صالح ومفيد وموجه نحو الخير
الشباب والزواج
ومن مشاكل الشباب أيضًا عزوفهم عن الزواج وهو مشكلة عظيمة ويترتب
عليه مضار كبيرة لا يعلمها إلا الله وهم يتعللون بتعليلات منها: أولاً:
قولهم إن الزواج المبكر يشغل عن الدراسة والاستعداد للمستقبل. ثانيًا:
قولهم إن الزواج المبكر يحمل الشاب مسئولية الإنفاق على زوجته وأولاده.
ثالثًا: وهذه من أخطر الأسباب لنفور الشباب عن الزواج العراقيل التي وضعت
في طريق الزواج من تكاليف باهظة وإسراف قد لا يستطيعه الشاب هذه هي في
نظري أهم أسباب تلك المشكلة. وعلاج هذه المشكلة أيضًا بسيط وميسور إذا ما
صدقنا النية. فأولاً يبين للشباب ما في الزواج من مزايا وحسنات وخيرات
ترجح على ما ذكروه من معوقات أو من مشاق وليس في هذه الدنيا شيء إلا
ويقابله شيء أنا لا أقول إن الزواج ميسور من كل وجه أو ليس فيه مشقة أو ليس
فيه مشاكل. فيه مشاكل وفيه مشاق ولكن فيه مصالح ترجح على هذه المشاكل
وعلى هذه المشاق وبالتالي تنسيها فيشرح للشباب مصالح الزواج حتى يقتنعوا
ويرغبوا فيه فالزواج:
أولاً: فيه إعفاف الفرج وغض البصر. يرشد إلى هذا
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة
فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم) فالنبي
صلى الله عليه وسلم أرشد الشباب وخص الشباب بذلك لأن عندهم الاستعداد
للزواج وعندهم الطاقة التي إذا ما بودرت بوضعها في موضعها السليم أفادت
فالشباب ينبغي له أن يتزوج من سن مبكر مهما استطاع إلى ذلك سبيلاً
والاستطاعة والحمد لله وخصوصًا وفي زماننا هذا موجودة في الغالب فلا عذر
للشباب أو لكثير من الشباب في تركهم الزواج. ويبين صلى الله عليه وسلم ما
للزواج المبكر من مزايا فإنه أحصن للفرج لأن الفرج خطير جدًا.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ
أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [سورة
المعارج: 29-30] فإنه أحصن للفرج أي أن الزواج يؤمنك من خطر عظيم هو
خطر الفرج فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر إذا تزوج فإنه بذلك تقر عينه ولا
ينظر إلى هنا وهناك أو يتطلع إلى ما حرم الله عليه لأن الله أغناه بحلاله
عن حرامه وكفاه بفضله عمن سواه فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر.
ثانيًا: الزواج يحصل به السكن النفسي والراحة. يقول الله سبحانه
وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً
وَرَحْمَةً} [سورة الروم: 21] فإذا تزوج الشاب سكنت نفسه عن
الاضطراب والقلق وارتاح ضميره {لتسكنوا إليها} لأن الشاب بدل ما يكون
مزعزع الفكر فإن تزوجه من أسباب سكون نفسه وطمأنينته وارتياحه وبالتالي
يكون سببًا في خيرات كثيرة تترتب عليه
الزواج المبكر وفوائده
ومن فوائد الزواج المبكر حصول الأولاد الذين تقر بهم
عينه يقول سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا
مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [سورة
الفرقان: 74] فالأزواج والأولاد قرة أعين. إذ أن الله سبحانه وتعالى
وعده أو أخبره بأن الزواج تحصل به قرة العين فهذا مما يشجع الشاب ويقنعه
بأن يقبل على الزواج {هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} كما أن
الأولاد. أيضًا أخبر الله سبحانه وتعالى أنهم هم شطر زينة الحياة الدنيا
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سورة
الكهف: 46] فالأولاد بهم زينة للحياة الدنيا والإنسان يطلب الزينة.
وكما أنه يطلب المال كذلك يطلب الأولاد لأنهم يعادلون المال في كونهم زينة
الحياة الدنيا. هذا في الدنيا. ثم في الآخرة الأولاد الصالحون يجري
نفعهم على آبائهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع
عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به أو صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له)
فالأولاد إذن فيهم مصالح عظيمة في الحياة وبعد الموت.
كذلك في الزواج المبكر وحصول الأولاد تكثير الأمة الإسلامية وتكثير المجتمع
الإسلامي. والإنسان مطلوب منه أن يشارك في بناء المجتمع الإسلامي يقول
صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا فإني مكاثر بكم يوم القيامة) أو كما
يقول صلى الله عليه وسلم فالزواج تترتب عليه مصالح عظيمة منها ما ذكرنا
فإذا ما شرحت للشاب هذه المزايا وهذه المصالح فإنها تضمحل أمامه المشكلات
التي تخيلها عائقة له عن الزواج.
أما أن يقال الزواج المبكر يشغل عن التحصيل العلمي وعن الدراسة فليس هذا
بمسلم بل الصحيح العكس لأنه مادام أن الزواج تحصل به المزايا التي ذكرناها
ومنها السكون والطمأنينة وراحة الضمير وقرة العين فهذا مما يساعد الطالب
على التحصيل لأنه إذا ارتاح ضميره وصفا فكره من القلق فهذا يساعده على
التحصيل. أما عدم الزواج فإنه في الحقيقة هو الذي يحول بينه وبين ما يريد
من التحصيل العلمي. لأن مشوش الفكر مضطرب الضمير لا يتمكن من التحصيل
العلمي لكن إذا تزوج وهدأ باله وارتاحت نفسه وحصل على بيت يأوي إليه وزوجة
تؤنسه وتساعده فإن ذلك مما يساعده على التحصيل فالزواج المبكر إذا يسر الله
وصار هذا الزواج مناسبًا فإن هذا مما يسهل على الطالب السير في التحصيل
العلمي. لا كما تصور أنه يعوقه. كذلك قولهم إن الزواج المبكر يحمل
الشاب مؤنة النفقة على الأولاد وعلى الزوجة إلى آخره. هذا أيضًا ليس
بمسلم لأن الزواج تأتي معه البركة والخير لأنه طاعة لله ورسوله والطاعة
كلها خير. فإذا تزوج الشاب ممتثلاً أمر النبي صلى الله عليه وسلم
ومتحريًا لما وعد به من الخير وصدقت نيته فإن هذا الزواج يكون سبب خير
له. والأرزاق بيد الله عز وجل: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ
إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [سورة هود: 6] فالذي يسر لك
الزواج سييسر لك الرزق لك ولأولادك {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ
وَإِيَّاهُمْ} [سورة الأنعام: 51] فالزواج لا يحمل الشاب كما يتصور
أنه يحمله فوق طاقته. لأنه يأتي معه الخير وتأتي معه البركة والزواج سنة
الله سبحانه وتعالى في البشر لابد منه فهو ليس شبحًا مخيفًا وإنما هو باب
من أبواب الخير لمن صلحت نيته. أما ما يتعللون به من العراقيل التي وضعت
في طريق الزواج فهذه من تصرفات الناس السيئة. أما الزواج في حد ذاته فلا
يطلب فيه هذه الأشياء فضخامة المهر مثلاً والحفلات الزائدة عن المطلوب وغير
ذلك من التكاليف هذه ما أنزل الله بها من سلطان بل المطلوب في الزواج
التيسير فيجب أن يبين للناس أن هذه الأمور التي وضعوها في طريق الزواج أمور
يترتب عليها مفاسد لأولادهم ولبناتهم وليست في صالحهم فيجب أن تعالج وأن
يهتم بمعالجتها حتى تزول عن طريق الزواج وحتى يعود الزواج إلى يسره وإلى
سهولته ليؤدي دوره في الحياة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا جميعًا
بالتوفيق والهداية وأن يصلح أحوال المسلمين وأن يصلح شباب المسلمين وأن
يرد للمسلمين مكانتهم وعزتهم كما أن الله سبحانه وتعالى جعل العزة لهم في
أول الأمر نسأله سبحانه أن يعيدها وأن يصلح شأنهم {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا
يَعْلَمُونَ} [سورة المنافقون: 8] نسأل الله سبحانه وتعالى أن
يبصرهم في دينهم وأن يكفيهم شر أعدائهم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى
آله وأصحابه أجمعين والحمد لله رب العالمين.