الكثيرات من النسوة يلبسن حجاباً، ولكنَّ أكثرهنَّ لم يلبسن الحجاب الشرعي الكامل، فحجابهنَّ بحاجة إلى حجاب!
إنَّ الحجاب الشرعي يا فتاة الإسلام مفهومه أن تبعدي عنك الأبصار التي لا تغض بصرها عن جسدك، فليس الحجاب لأن تكون المرأة جذَّابة بحجابها فتَّانة بلباسها، مزكشة جلبابها، فإنَّ هذا أبعد ما يكون عن الحجاب!
لأجل ذلك فقد اشترط العلماء رحمهم الله تعالى للبس الحجاب شروطاً لا يكتمل الحجاب إلاَّ باكتمالها، وكلُّ هذه الشروط عليها أدلَّة شرعية، فليست هي من بنات أفكارهم كما يقال! بل مبنيَّة على أصول شرعيَّة مستمدَّة من الكتاب والسنَّة النبويَّة المطهَّرة، سأجملها في هذا المقام مع الاقتصار على بعض الأدلة الشرعيَّة الدالَّة على ذلك الشرط، وهي على النحو الآتي:
1) أن يكون الحجاب ساتراً للجسد ومغطياً له.
فالله تعالى يقول (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً) سورة الأحزاب:(59).
في هذه الآية يأمر الله تعالى جميع النساء المسلمات بالحجاب الشرعي الكامل، حتَّى إذا لبسنه كان ذلك الحجاب صيانة لهنَّ، فيما إذا لم يلبسوه لحصل عليهنَّ نوع من الإيذاء وذلك لأنَّهن إذا (لم يحتجبن ربما ظنَّ أنَّهن غير عفيفات، فيتعرض لهنَّ من في قلبه مرض فيؤذيهنَّ) ما بين القوسين من كلام الشيخ المفسٍّر عبد الرحمن السعدي في تفسيره.
فالحجاب قبل كل شيء طاعة لله تعالى، ولكي تحفظ الفتاة على جسدها من أن تناله النظرات المريبة، ولكم استوقفني طلب المرأة السوداء التي كانت تصرع، فطلبت من رسول الله أن يدعو لها، فقال: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك"، فقالت: "اصبر، ولكني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، والحديث متفق عليه.
وصدق من قال: لله درُّها لقد أقلقها تكشفها وقت صرعها وحال عذرها، فما بال صحيحات الأبدان اليوم؟
2) ألاَّ يشبه الحجاب لباس الكافرات.
فرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول
من تشبَّه بقوم فهو منهم) أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح.
3)أن يكون الحجاب فضفاضاً واسعاً غير ضيق فلا يُجَسِّم ولا يُكَسِّم.
عن أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، ففال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (مالك لم تلبس القبطية؟)
قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها) أخرجه أحمد والبيهقي، وقال الذهبي: إسناده صالح، وحسَّنه الألباني.
ففي هذا الحديث أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة - وهي شعار يلبس تحت الثوب - ليمنع وصف بدنها والأمر يفيد الوجوب كما هو معلوم عند الأصوليين.
وعن هشام بن عروة رحمه الله أن المنذر ابن الزبير قدم من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مروية وقوهيَة رقاق عِتاق بعد ما كف بصرها فلمستها بيدها ثم قالت أفٍّ ردوا عليه كسوته فشق ذلك عليه وقال يا أمه إنه لا يشف قالت إنها إن لم تشف فإنها تصف ) رواه ابن سعد وصحَّحه الألباني.
وتأملي معي يا أخت الإسلام هذا المثال العظيم الذي ضربت فيه المرأة المسلمة أروع الأمثلة في العفَّة والستر، فلقد قالت فاطمة الزهراء لخالتها أسماء : (يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع النساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها) فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة، فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فاستحسنته فاطمة وأوصت به إن هي ماتت) قال عنه الذهبي: إسناده حسن.
فكيف لو رأت بنت رسول الله ما أحدثته النساء اللاتي يعدون في زمرة الأحياء اليوم.
4) أن لا يَشِفَّ عمَّا تحته.
جاء في الحديث
صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : ….. ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
قال ابن عبد البر رحمه الله : " أراد صلى الله عليه وسلم من النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة " .
وذكر القرطبي في تفسيره أنَّه دخلت نسوة من بني تميم على عائشة -رضي الله عنها- وعليهن ثياب رقاق فقالت عائشة: "إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات"، وأدخلت عليها عروس عليها خمار رقيق، شفاف فقالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا" (ذكره القرطبي في التفسير).
قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ نَهَى النِّسَاءَ أَنْ يَلْبَسْنَ الْقَبَاطِيَّ (جمع قبطية وهو ثوب مصري رقيق أبيض ) قَالَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَشِفُّ فَإِنَّهَا تَصِفُ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَى تَصِفُ أَيْ تَلْصَقُ بِالْجِلْدِ.
5) ألا يكون معطراً.
يروي الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال
كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرَّت بالمجلس فهي كذا وكذا) يعني: زانية. أخرجه النسائي والترمذي، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وعن زينب الثقفية أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيباً ) أخرجه مسلم.
6) ألاَّ يكون الحجاب زينة بذاته كأن يكون مزخرفاً ومزكشاً ومثيراً للانتباه.
فإظهار المرأة للزينة لغير محارمها حرام عليها، لأنَّها بذلك تكون متبرجة، ولأنَّها تفتن قلوب الرجال بزينتها ولباسها الفتَّان، والله تعالى يقول في ذلك قولاً فصلاً
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلاَّ ما ظهر منها وليضربن بخمرهنَّ على جيوبهنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلاَّ لبعولتهنَّ….) ثمّ ذكر الله تعالى الأصناف الجائز إبداء المرأة زينتها أمامهم من محارمها.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال جاءت أميمة بنت رقيقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال لها الرسول عليه الصلاة والسلام: ( أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا , ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى ) رواه أحمد والنسائي وصححه أحمد شاكر وصححه الألباني.
ومع هذا فلا يعني حينما نقول بعدم جواز أن يكون الحجاب زينة، بأن يكون معنى ما نقصده أن تلبس الفتاة حجاباً متسخاً أو قديماً، فليس هذا مراداً لدينا قطعاً؛ فلتلبس الفتاة جلباباً نظيفاً ساتراً، فدين الإسلام يحث على النظافة وحسن الهيئة، ولكن شرط ألا تتبرج الفتاة بزينة في جلبابها أو يكون جلبابها بنفسه زينة من كثرة الزركشة والألوان المثيرة للانتباه.
7) أن لا يشبه لباس الرجال.
ممَّا جاء في سنَّة سيد المرسلين النهي عن تشبه النساء بالرجال أو الرجال بالنساء ففي الحديث الصحيح الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال
لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) أخرجه البخاري، وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله الرجل يلبس لبسة المراة والمراة تلبس لبسة الرجل) أخرجه أبو داود وصحَّحه جماعة من أهل العلم.
أن لا يكون لباس شهرة.
وقد ورد في خصوص لباس الشهرة أحاديث منها حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أخرجه الإمام أحمد ، وأبو داود، والنسائي وحسنه ابن حجر، والألباني، والأرناؤوط.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: (يحرم لبس الشهرة, وهو مَا قَصَدَ به الارتفاع, وإِظهار التَّرَفُّعَ, أَو إِظهار التواضع والزهد, لكراهة السلف لذلك).
هذا هو مفهوم الحجاب الشرعي الكامل، واعلمي يا أختاه أنَّ كثيراً من الملابس التي تسمَّى حجاباً هي في حقيقة الأمر ليست إلاَّ زينة وتبرجاً، فلتحذري يا أخت الإسلام من الحجاب الذي يوقعك في غضب الجبَّار عليك، عافاني الله وإياك من غضبه سبحانه وتعالى.